قهوتي في منزل الشاعر الكبير سليمان العيسى
تاريخ النشر : 2023-05-30 08:54:31 أخر تحديث : 2024-11-19 21:30:19
زياد ميمان
لم تسعني الفرحة عندما أبدى الشاعر الكبير سليمان العيسى " رحمه الله" موافقته بزيارته واستقبالي في بيته بمشروع دمر غربي دمشق ، فقد كان اللقاء الأول ليّ معه وكان ذلك في خريف ٢٠٠٩ .
وصلت للمكان الذي يوجد فيه المنزل حسبما أعطتني عنوانه الدكتورة ملكة أبيض زوجة الشاعر الراحل .
دخلت المنزل وانا اشعر برهبة أمام قامة شعرية وأدبية كبيرة لم أتوقع يوماً من الأيام أنني سأكون ضيفه وفي منزله وأجري معه حواراً إستمر طويلاً ، لم يكن يستطيع التحدث كثيرا بسبب المرض ، وهكذا أخبرتني الدكتورة ملكة ، ولكني كنت أرغب في الخوض في بحر هذا الرجل الذي ناهز عمره التسعين عاما في ذلك الوقت الذي يكتنز الكثير من البوح.
هو في داخله يريد التحدث عن كل شيء عن الشعر وعن الحياة وعن اسفاره ومناسبات كتابته للقصائد وغيرها، وهكذا.... ولكن المرض يمنعه من كل هذا، وانا بدوري كنتُ حريصا على ان أدون وأسجل كل كلمة تصدر منه، وفي هذه الأثناء جاءت الدكتورة ملكة وقطعت حديثنا بإستئذان وتحدثت معه قائلةً : أن أسطوانة الغاز قد نفدت ولا يمكن صنع القهوة للضيف سمعت الحديث وقلت لا داعي للقهوة لكنها أصرت على ذلك وقالت له سأتصل بجارنا في المحل حتى يأتي ويبدل لنا الأسطوانة.
قلت لها هل عندكم اسطوانة غاز مملوءة قالت نعم وهل عندكم مفتاح للغاز قالت بلا فقلت لها أنا أبدلها وقمت وأبدلتها وصنعت هي القهوة بينما ظهرت على وجه شاعرنا الكبير ابتسامة لطيفة شكرني بعدها على ما قمت به ، ولكن كانت مكافأتي أن الحديث طال بيننا أكثر ، كما أنه أهداني بعض كتبه موقعاً بيده وكاتباً بخط مرتجف الإهداء والتوقيع.
لقد كان لذلك التوقيع وقع خاص في نفسي وخاصة أنه شاعر الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج ، ولم تنقطع زياراتي له - بعد اللقاء الأول- في بيته وكلما سنحت ليّ الفرصة مررت به ، وفي كل مرة تشكرني زوجته وتذكرني بما قمت به من أجل القهوة.
لم تكن زيارة عابرة ولم تكن مجرد وقفة في حياة شاعر وصحفي بل كانت محطة هامة في حياتي وضعتني في موضع ومكان مختلف عندما تكون في حضرة الكبير سليمان العيسى فكأنك ملكت الشعر وملكت الإبداع بكل حذافيره .
تلك اللحظات كانت سريعة .. سريعة بقدر أنني لم أشعر بمرورها فهو كان رشيق البوح .. روح لطيفة مثابرة على الولوج في عالم الإبداع رغم مابدا عليه من إرهاق بتقادم الزمن ..وقد خط الدهر في جبينه علامات رغم ما قارعت حروفه وكلماته مصاعب الحياة .. علمني أن الشاعر الفذ لا يموت ولا ينتهي ولا يبقى رهين مخيلته بل يتعداها لينهل من تجاربه في الحياة
، وعلمني العيسى وزوجته كيف تكون المحبة والتعاون وكيف تقف رفيقة الدرب معه ، وكيف تقدم له كل مايحتاجه وهي التي اسهمت في جمع و نشر الكثير من أعماله .. انها الزوجة الدكتورة ملكة أبيض .. والتي رحلت بعد فترة من رحيله ، رحلت بعد أن تركت بصمة واضحة في حياة العيسى ، بصمة نجدها على دواوينه وكتبه وأشعاره لتتجلى مقولة وراء كل رجل عظيم إمرأة. فالحياة دون تعاون وتفاهم ومحبة لا تستمر ، فكيف اذا كانت تلك حياة شاعر ينهل من بحر الشعر لينثر الإبداع عبر السنين الى الأجيال كافة ، رحم الله الشاعر سليمان العيسى ورحم الله زوجته./انتهى
المصدر: روافدنيوز/ زياد ميمان