في الميزان:  التيار الصدري

في الميزان: التيار الصدري

حسين يونس العقابي - تاريخ النشر : 2022-01-17 10:52:26

 كيف يمكننا أن نجمع بين خيار أرضي وآخر سماوي , تبدو هذه معضلة لا حل لها في عراق اليوم ، حيث يمتهن رجال الدين مهنة السياسة التي كانت ملتصقة  بالمثالب بشكل دائم . هل يعي رجل الدين هذه الحقيقة وهو يجمع بين هاتين الوظيفتين المتناقضتين وهو  يضع نصف دماغه  في لعبة السياسة  التي لا تتصف بالنزاهة  و يترك نصف دماغه الثاني يعمل في مجال اللاهوت ,  ثمة تناقض اكثر من واضح يمكن تلمسه بين الوظيفتين السياسي الذي ينغمس في تخوم الواقع  والديني الذي يسبح في مجال المثل والمطلق . الولي الفقيه آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر كان له رؤية في السياسة , ان التحزب السياسي ينقل المتحزب من الانانية الفردية الى الانانية الحزبية . أضطر السيد الوريث للتيار الاجتماعي الديني  مقتدى الصدر الى دخول العملية السياسية , عالم فن الممكن , هذا العالم الذي فيه مثالب كبيرة وفيه ايضاً منافع كبيرة من باب المعاملة ومواكبة الواقع السياسي المتغير في العراق , في بداية العمل السياسي آنذاك لم يتحصن التيار الصدري من الدخلاء عليه في بداية الكينونة السياسية التي مر بها هذا التجمع الشعبي , ولم تكن هناك رؤية سياسية ناضجة لمعرفة أين تتجه البوصلة في ذلك الوقت , التيار عندما يأتي عليك جذبه الى الطرقات الضيقة كي يتشذب , وهذ ما فعله زعيم التيار الصدري السيد مقتدى في ما بعد , طلب من اتباعه فرز الفاسدين ولأن هنالك طرق ملتوية في الفساد لم يستطيع فرز جميع الفاسدين لأنه تيار شعبي كبير. واقع الحال  يقول من لا يعرف كيف يخدم الناس عليه أن يتنحى جانباً ويدع الآخرين يعملون , اموال الناس امانة ومسؤولية كبيرة . جميع الكتل السياسية أخطأوا , وأسوأ الأخطاء التي ارتكبتها هي المحاصصة الحزبية (فرهود اموال الشعب) وهذا كان يخدم المحتل الامريكي , باتفاق مسبق مع معارضة الخارج (اتفاق لندن). بعد سقوط النظام البعثي 2003 اصبح هناك معارضة داخلية ، ترفض اتفاق لندن وقد تم اتحاد معارضة الداخل حين بدأ القتال مع المحتل ومدح حينها السيد مقتدى "حارث الضاري" وقال عنه بأنه شيخ المجاهدين . وهذا الكلام كان دبلوماسياً وسياسياً , لان حارث الضاري كان شيخ الارهاب ضد الشيعة آنذاك , لكن للضرورة أحكام , والمناورة مطلوبة كي تتغلب على الخصوم , والذين  يعيبون على زعيم التيار انه لا يملك بلاغة خطابية وهو مزاجي في التعامل مع الأزمات , يكفي السيد مقتدى انه وريث آل الصدر , يستطيع  تحريك الشارع بسهولة وهذا صعب جداً على الآخرين , التيار الصدري له حضورا كبيرا في جميع الانتخابات التي أجريت وان لم تكن فيها المعايير الفنية المطلوبة , مع هذا مارس اتباعه اللعبة السياسية بذكاء , لكن ظهور كفاءات بارزة أخرى غير صدرية في المشهد السياسي , هذا يدل على أنهم غير احتكاريين لسلطة . يقول الشهيد مرتضى مطهري : لا يمكن إقصاء الإنسانية بعيدأ عن معرفة الله فاما عبادة الله او عبادة البطن والجاه والمناصب والمال , وليس هناك من طريق ثالث . ومن يدّعي الشرف والخلق والتقوى والعفة , وهو بعيد عن الله الذي هو نبع كل تلك الصفات , فإنّ ذلك مجرّد أوهام لا غير)) . هناك قيادات في التيار اصبحوا من عبادة البطن والجاه , تم اقصاء بعضهم  وعندما كثر الهرج والمرج بعد تذمر الناس , لسوى الخدمات والبطالة وانعدام فرص العمل منع السيد مقتدى اتباعه من المناصب في الحكومات السابقة , لكن التيار الصدري لهم نافذة اقتصادية , في كل وزارة وهي شبه حصة من المحاصصة للاحزاب السلطوية في الدولة العراقية المسلوبة الارادة وهذا يعدّ في الفقه السياسي شريكا مباشرا في الفساد , هذا ما يريده أعداء العراق أن تكون الدولة ضعيفة أمام الأحزاب وان يتصارع الاخوة بينهما , تحرك اللوبي السعودي من السيد الصدر لجذبه ضمن فلك العروبة ضد ايران , أقترب السيد الصدر منهم بحذر ولكن الاخوة الاعداء (السعودية) يضمرون شراً لكل ما هو شيعي . في عام 2005 تم توجيه دعوة الى السيد مقتدى الصدر الى المملكة السعودية , وقد لبى الدعوة برحابة صدر , وعند اللقاء طلب السيد الصدر منهم بناء مراقد البقيع لبيان حسن النية في التعامل , كان رد السعوديين المتعجرف بأن يصدروا امراً لاتباعهم في العراق بتدمير مرقدي الامامين الهادي والعسكري في سامراء , مع العلم قد نصح مسؤول مخابراتهم في محطة بغداد , القيادة السعودية بعدم المغامرة لأنها غير محمودة العواقب , سوف يؤدي بنا الى خسارة كبيرة في الساحة العراقية وسيظهر علينا الجراد الاسود , بالفعل تم خروج جيش المهدي ذو اللباس الاسود امام القوات الامريكية مدججين بالسلاح وكان الامر من قيادة البنتاغون بعدم الاحتكاك معهم ؛ وتم تطهير بؤر شيوخ الارهاب الوهابية في جميع مناطق وسط وجنوب العراق التي أسستها السعودية منذ عقود . امام مرأى ومسمع القوات الامريكية ولم تسعفهم آنذاك , بعد أن لقن السيد مقتدى الصدر السعودية درساً قاسياً والذي كلفهم اكثر من ثلاثين مليار دولار في زرع الوهابية في بلاد النهرين , مضى إلى التقريب بين المتضادين عسى أن يفلح في ذلك ولكن امريكا واسرائيل على الخط  يمنعان ذلك التقارب ويؤكد رجل المخابرات السعودي اللواء أنورعشقي في تل ابيب  : الغاية من تقريب الصدر هو تدمير البيت الشيعي لا كما يريد الصدر , وبالفعل خفّ هذا الحراك بعد معرفة النوايا وعندما ضربت امريكا قادة النصر , اللواء قاسم سليماني وأبا مهدي المهندس في مطار بغداد وهذا يعدّ اعتداء مباشرا , تكلم الصدر ضد كل من يعتدي على العراق وطالب ان لا يكون العراق ساحة حرب , لا نقبل ان تهاجم الجارة ايران التي هي عمق الشيعة , ولا أن تتحكم امريكا بقرار البلاد و طالبنا بالخروج الكلي للقوات الأجنبية , وان لا يكون العراق حديقة خلفية لايران ايضاً , فهذا لا يليق بالعراق شعباً أو وطناً , ويدعو أن يكون السلاح معروفا لمن يحمله كي لا يضيع الحابل بالنابل ونحن في ازمة ثقة . والازمة الأخيرة بعد حريق مستشفى الناصرية وسوء الخدمات وخصوصاً في الكهرباء والصحة وارتفاع سعر صرف الدولار التي يشرف عليها التيار الصدري , اضطر السيد مقتدى الصدر الى المناورة السياسية كي يبعد عنه الملامة , ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه الى التيار الصدري وقائده تتكلمون دائماً عن الإصلاح والفساد وهذا التخلف والعقم السياسي المستمر منذ عقد ونصف والعراقيون يقولوا لكم نسمع جعجعتاً ولا نرى طحيناً , الايام حبلى وأكيد سيعرف الجميع من هم مع الاصلاح السياسي والاقتصادي ومن هم مع الفاسدين , والعملاء اذا لم تطبق اتفاقية العراق والصين (الحزام والطريق) .       



 

المصدر: حسين يونس العقابي

مقالات ذات صلة

حقوق النشر محفوظة موقع وكالة روافد نيوز الاخبارية وليس كل ماينشر يمثل يالضرورة رأي الوكالة

تطوير مزيان مزيان | Zaina CMS