التقارب السعودي العراقي
مكامن التقارب السعودي العراقي ؟
صلاح علي - تاريخ النشر : 2019-04-06 15:13:09
ثمة متغير حاسم طرأ على الرؤية الاستراتيجية الخليجية عموما، والسعودية على وجه الخصوص، لطريقة التعاطي مع العراق بعد عام 2003، مع العلم أن العلاقات لم تكن بأفضل حال قبل هذا التاريخ، فالتوتر والريبة، والمنافسة، والعدائية، كلها مفردات كانت حاضرة في تلك العلاقات طوال أكثر من ثلاثين عاما مضت، ما يسمح بافتراض أن الاستدارة السعودية ليست محاولة لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، وإنما البناء على نمط جديد من العلاقات الثنائية يتلاءم هذه المرة مع متغيرات في موازين القوى، وإعادة قراءات لمعطيات الصراع المحتدم في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى رغبة عراقية بالاتجاه نحو الغرب العربي عبرت عن نفسها بأشكال صريحة في الأعوام الأخيرة.
والمشكلة كانت دائما في الطرفين معا؛ فعلى المستوى العراقي الداخلي احتاجت الأحزاب السياسية غير الناضجة إلى أكثر من عقد في الحكم الفاشل، لإدراك أن ثمة مقومات وممانعات عراقية داخلية حاسمة لا تسمح لأي حاكم بمخالفة قوانين التوازن الإقليمي التاريخية التي شغل العراق فيها كرسيا كبيرا لا يمنح لجار ولا صديق ولا يملك أحد التبرع به أساسا. وهي (الأحزاب) استنفذت في تلك السنوات ما في جعبتها من رصاصات الاستثمار الطائفي للتشبث بالحكم أو تبرير ممارساتها الشاذة، وتلك الرصاصات كانت تحتاج إلى هدف إقليمي كبير لتتوجه إليه.
على المستوى العربي عموما، والخليجي على وجه الخصوص، كان ثمة ارتباك في التعاطي مع عراق 2003، لم يكن مرده أن هذا العراق محتل ومشوش وغائب عن الوعي، ومرهون للتدخلات والانتهاكات الخارجية فقط، بل لأن دول المحيط العربي وهي تتوق على امتداد سنوات مضت إلى العراق تاريخا وصورة ذهنية ومخيالا قوميا، وتتحدث عن ضرورة “استعادة العراق إلى عمقه العربي” لم تكن تعرف أي عراق عليها محاولة استعادته؛ هل هو عراق الثورات والانقلابات الدامية، أم عراق حرب الخليج مع إيران، أم عراق محاصر وجائع في التسعينيات؟
في أفضل الأحوال، اكتفى العرب سياسيا وإعلاميا بخيال حول عراق عليه أن يكون “بوابة شرقية” ومصدا وسندا في الصراع المشتعل مع إيران في قلب المنطقة العربية، وكانت تلك الشروط مستحيلة في الواقع عندما يتم تلقينها لبلد في سرير الإنعاش!
من هنا تحديدا يجب وصف الاستدارة السعودية بكونها خطوة استراتيجية عميقة، قد تكون أكثر عمقا من كل الاستدارات العربية الأخرى التي سبقت، وسمحت بتأسيس علاقات عراقية تنقصها الحميمية مع عدد كبير من دول المحيط العربي، لأنها تأتي بعيدة عن اشتراطات المخيال السابقة، وجادة في إعادة فهم العلاقات مع العراق باعتبارها “تأسيسية” وعلى وفق قواعد مختلفة تماما عن تلك التي شهدها القرن العشرين، وهدفها البعيد هو إعادة التوازن التاريخي في مجمل منطقة الشرق الأوسط.
بهذا المعنى، لا تضع السعودية اشتراطات حول تقاسم النفوذ مع إيران، ولا تنتبه وهي تتحدث عن استثمارات في كل المجالات العراقية إلى التصنيف المذهبي للمدن التي يجب الاستثمار فيها، ولا تنتبه إلى الانتقالات والاضطرابات السياسية التي تنتج الحكومات العراقية المتعاقبة، بل تتوجه بشكل مباشر إلى العراق الدولة، والعراق الشعب، والعراق الذي عليه أن يستعيد إفاقته الكاملة ليتخذ خياراته وصداقاته بنفسه بصرف النظر عن شكل هذه الخيارات.
تلك نقطة جوهرية، يمكن القول إنها صيرورة لمخاض طويل من التأويلات والشكوك المتبادلة، ونضجت أخيرا، ولكنها احتاجت إلى جرأة حاسمة تحلت بها القيادة السعودية الحالية.
أصوات هنا وهناك في داخل العراق كانت تحاول التشويش على الحدث العراقي ـ السعودي، بعضها لا يرى حدثا إلا إذا كان إيرانيا أو أميركيا، وبعضها مجبول على التشكيك، لكنها أصوات في نهاية المطاف، وهي جزء من عراق يتشكل باضطراد، ويعبر عن هويته وعن وجوده، على رغم التحديات والمعرقلات الكبيرة التي تقف أمامه.
المصدر: بقيم صلاح علي