أيام رمضانية..مقال لحسن العاني

أيام رمضانية..مقال لحسن العاني

مدير الموقع - تاريخ النشر : 2017-05-31 08:58:53

بغداد/ روافد/

حسن العاني
قد تراوغ ذاكرتي، ربما تمارس نوعاً من الخداع معي، ولكنها غير قادرة على ذلك، حين يكون للحدث طعم عالق في اللسان، ونكهة لا تغادر الروح، فهي (الجبهة) إذن عام 1985، وتحديداً النصف الاول منه، عند قاطع الطيب، وانا رجل تجاوز مرحلة الشباب، ولم احمل في يدي ذات يوم فأساً او سكيناً او بندقية صيد، ولا أعرف اين يقع بيت الترباس، والمكان هنا، أمامك وخلفك ومن جهاتك كلها فوهات وبيوت ترباس وتبادل للموت في اية لحظة، وكل لحظة! ذلك هو المشهد بأقل الاوصاف طمأنينة، حين زارنا ضيف نقدسه ونعرفه ونستقبله في منازلنا كل سنة ونحن في منازلنا الآمنة، وبين مواقدنا العامرة.

غير إنه، أعني ضيف الجبهة، كان هذه المرة غريباً بعض الشيء، يقتحم الموت، لا يأبه للعنقودي والنمساوي ولا.. ولا.. وأغرب ما فيه إنه يسعى الى حمايتنا، مثلما يسعى الى حماية خصمنا في الوقت نفسه، فأي شيخ نبيل هو رمضان، وأي كرم يتحلى به هذا الكريم.

وفي اعماقنا شعور عارم يشبه اليقين، انه لم يكن في ضيافتنا، ومع الايام ترسخ يقيننا ان حياتنا هنا، وحياة الخصم هناك، في أمن وأمان، لان الموت لا يجرؤ على الاقتراب من مضيفه والجميع في ضيافته.. نعم هو اليقين الذي ما بعده يقين، ان هذا الشيخ الجليل، ليس شهماً فقط او شجاعاً او يحمي من كان في (دخالته) فقط، بل هو قبل ذلك رسول السماء ووصية الله في عباده الى الارض.. اشهد انها ايام طمأنينة ومرحلة سلام تلك التي احاطتنا واعادتْ الينا الاحساس بالحياة، وتولد لدينا ايمان نابع عن الوقائع، ان (الخصم) الذي يصوم لرؤيته، ويفطر لرؤيته كما نفعل.. الخصم الذي هو مثلنا، يتوجه الى نفس القبلة التي نتوجه اليها.

ويؤمن كما نؤمن بثواب الله وعقابه وجنته وناره وملائكته وكتبه ورسله, الخصم الذي يقاتل – كما نقاتل – ابناء دينه مكرها، تولّد لديه ايمان مماثل.. إنهم في الطرف الاخر كذلك مسكونون بشعورنا وانزعاجنا وقلقنا، وانهم مثلنا تماماً في حماية الشيخ الجليل، الذي ابعد شبح الموت من ساحة البارود! وحدث مالم نتوقعه، وكأن حدسنا الروحي كان في محله.

فعلى مدى الشهر الكريم تنبهنا الى ان هناك (هدنة) غير معلنة بيننا وبينهم.. أعظم دلائلها، إن رسائل البارود، الموجهة عبر الراجمات والصواريخ قد توقفت عن تبادل الموت، قبل ساعتين على موعد الافطار.. أي نعيم حمله هذا الزائر الرمضاني المبارك، يمنحنا ساعتين قبل الافطار، ثم ثلاث ساعات بعده.. يا الهي. خمس ساعات من كل يوم لا نسمع فيها ازيز رصاصة، ولا نشم رائحة الموت، كنا، وكانوا كذلك في الطرف الاخر من (الطيب) نعدُّ الافطار على (راحتنا) وعلى راحتنا نتناول طعامنا.. وعلى راحتنا كذلك نتوضأ ونصلي ونرى الدنيا خارج الملاجئ، وهي فرصتنا الوحيدة للاستحمام وغسل ملابسنا والمزاح والضحك و.. و.. والتحرر من الخوف.

مقالات ذات صلة

حقوق النشر محفوظة موقع وكالة روافد نيوز الاخبارية وليس كل ماينشر يمثل يالضرورة رأي الوكالة

تطوير مزيان مزيان | Zaina CMS